کد مطلب:58455 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:271
فرقّ له أبو طالب فقال: والله لاَخرجنّ به معی ولا یفارقنی ولا اُفارقه أبداً. فخرج وهو معه. فلمّا نزل الركب بصری من أرض الشام وبها راهب یقال له بحیراء فی صومعة له، وكان أعلم أهل النصرانیة، وكان كثیراً ما یمرّون به قبل ذلك لا یكلّمهم ولا یعرض لهم، فلمّا نزلوا ذلك العام قریباً من صومعته صنع لهم طعاماً، وذلك فیما یزعمون عن شیء رآه وهو فی صومعته فی الركب حین أقبلوا وغمامة بیضاء تظلّه من بین القوم، ثمّ أقبلوا حتّی نزلوا بظلّ شجرة قریباً منه، فنظر إلی الغمامة حتّی أظلّت الشجرة، وتهصّرت[1] أغصان الشجرة علی رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم حتّی استظلّ تحتها، فلمّا رأی ذلك بحیراء نزل من صومعته ـ وقد أمر بذلك الطعام فصنع ـ ثمّ أرسل إلیهم فقال: [صفحه 66] إنّی صنعت لكم طعاماً یا معشر قریش وإنّی اُحبّ أن تحضروا كلّكم صغیركم وكبیركم، وحرّكم وعبدكم. فقال له رجل منهم: یا بحیراء إنّ لك الیوم لشأناً، ما كنت تصنع لنا هذا الطعام وقد كنّا نمرّ بك كثیراً، فما شأنك الیوم؟ فقال له بحیراء: صدقت قد كان ما تقول، ولكنّكم ضیفٌ، وقد أحببت أن اُكرمكم وأصنع لكم طعاماً تأكلون منه كلّكم. فاجتمعوا إلیه وتخلّف رسول الله صلّی علیه وآله وسلّم من بین القوم لحداثة سنّه فی رحال القوم تحت الشجرة، فلمّا رأی بحیراء القوم لم یجد الصفة التی یعرف فقال: یا معشر قریش لا یتخلّف أحد منكم عن طعامی هذا. قالوا له: ما تخلّف عنّا أحد ینبغی له أن یأتیك إلاّ غلامٌ هو أحدث القوم سنّاً تخلّف فی رحالهم. قال: فلا تفعلوا، اُدعوه حتّی یحضر هذا الطعام معكم. فقال رجل من قریش مع القوم: واللات والعزّی إنّ هذا اللوم بنا أن یتخلّف ابن عبد المطّلب عن الطعام من بیننا. قال: ثمّ قام إلیه فاحتضنه ثمّ أقبل به حتّی أجلسه مع القوم، فلمّا رآه بحیراء جعل یلحظه لحظاً شدیداً وینظر إلی أشیاء من جسده قد یجدها عنده فی صفته، حتّی إذا فرغ القوم من الطعام وتفرّقوا قام بحیراء فقال له: یا غلام أسألك باللات والعزّی إلاّ أخبرتنی عمّا أسألك عنه، وإنّما قال ذلك بحیراء لاَنّه سمع قومه یحلفون بهما. فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: لا تسألنی باللات والعزّی، فوالله ما أبغضت كبغضهما شیئاً قطّ. فقال بحیراء: فوالله إلاّ أخبرتنی عمّا أسألك. [صفحه 67] فقال: سلنی عمّا بدا لك. فجعل یسأله عن أشیاء من حاله من نومه وهیئته واُموره، فجعل رسول الله صلّی علیه وآله وسلّم یخبره فیوافق ذلك ما عند بحیراء من صفته، ثمّ نظر إلی ظهره فرأی خاتم النبوة بین كتفیه علی موضعه من صفته التی عنده. قال: لمّا فرغ منه أقبل علی عمّه أبی طالب فقال: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابنی. قال بحیراء: وما هو بابنك وما ینبغی لهذا الغلام أن یكون أبوه حیّاً. قال: فإنّه ابن أخی. قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات واُمّه حبلی به. قال: صدقت ارجع بابن أخیك إلی بلده واحذر علیه الیهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت منه لیبغیّنة شرّاً، فإنّه كائن لابن أخیك هذا شأن فاسرع به إلی بلده. فخرج به عمّه أبو طالب سریعاً حتّی أقدمه مكّة حین فرغ من تجارته بالشام. فزعموا أنّ نفراً من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم فی ذلك السفر الذی كان فیه مع عمّه أبی طالب أشیاء فأرادوه فردّهم عنه بحیراء وذكّرهم الله وما یجدون فی الكتاب من ذكره وصفته وأنّهم إن أجمعوا بما أرادوه لم یخلصوا إلیه، ولم یزل بهم حتّی عرفوا ما قال لهم وصدّقوه بما قال وتركوه وانصرفوا[2] . [صفحه 68] وفی ذلك یقول أبو طالب فی قصیدته الدالیة ـ أوردها محمّد بن إسحاق بن یسارـ: إنّ ابن آمنــــة (الـنـبی)[3] محمّداً لمـّا تعـلـّـق بالـزّمامِ رحـمـتــهُ (فــارفضِّ)[5] من عـینیّ دمعٌ ذارفٌ راعــــیتُ فـــیه قرابة موصولة وأمــرتـه بـالـسیـرِ بـین عمومةٍ ســــاروا لاَبـعـد طیــّة معلومةٍ حـتی إذا مــا الـقوم بُصری عاینوا حـــبـراً فـأخـبرهم حدیـثاً صادقاً قـــوماً یهـوداً قـد رأوا ما قد رأی [صفحه 69] (سـاروا)[7] لـقـتـل مـحـمّدٍ فنهاهم وأمثال ماذكرناه كثیرة، لو قصدنا إیراد جمیعها لخرجنا من الفرض المقصود بهذا الكتاب. [صفحه 70]
ومن ذلك: حدیث بحیراء الراهب، فقد أورد محمّد بن إسحاق بن یسار قال: إنّ أباطالب خرج فی ركب إلی الشام تاجراً، فلمّا تهیّأللرحیل وأجمع السیر انتصب له رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم فأخذ بزمام ناقته وقال: «یا عمّ إلی من تكلنی لا أب لی ولا اُمّ لی؟».
عندی بـمـــثــــل منـــازل الاَولادِ
والعیشُ قـــد (قـــــلصن)[4] بالاَزوادِ
مثل الجـمــانِ مــفرّد الاَفـــــــرادِ
وحفظتُ فـــیه وصــیــّة الاَجــــدادِ
بــیــضُ الوجــــوِه مصالت أنجـــادِ
ولـقـد تــبــاعــــد طـیــّة المرتادِ
لا قـــــوا علی شرفٍ من الـمــرصـادِ
عــنـه وردّ مـعــاشـــر الحـسـّـادِ
ظـــــلّ (الغمــام وغــرّ ذا الاكبادِ)[6] .
عـنـه وأجـهـد أحـسـن الاِجهاد[8] [9] .
صفحه 66، 67، 68، 69، 70.
كما ان هذا البیت بروایة ابی هفان ورد هكذا: ان الامین محمّداً فی قومه فالنغر شدة الغیظ، وحیث یقال للرجل الذی یغلی جوفه من الغیظ رجل ناغر «اُنظر: الصحاح ـ نغرـ 2: 833» أی ان الیهود لعنهم الله تعالی كانوا ینظرون إلی رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم والغمامة تظله واجوافهم تضطرم غیظاً وغضباً.
عندی یفوق منازل الاولاد.